في عصر تتزايد فيه الضغوطات النفسية وتتفاقم أزمات الصحة العقلية، خصوصًا بعد الجائحة، برزت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT كوسيلة جديدة للبحث عن الدعم النفسي. وبينما يجدها البعض مفيدة كأداة فورية ومجانية، يحذر المختصون من تبعات الاعتماد الزائد عليها في معالجة مشكلات نفسية معقدة.
بين سهولة الوصول وضعف العمق العلاجي
توفر أدوات المحادثة الذكية دعمًا فوريًا على مدار الساعة، مما يجعلها جذابة للعديد من المستخدمين، لا سيما من يفتقرون إلى الموارد المالية أو من يواجهون صعوبة في الوصول إلى خدمات العلاج النفسي التقليدية. يشير بعض المستخدمين إلى أنهم يتوجهون إلى ChatGPT بدل العودة إلى جلسة إضافية مع الأخصائي، إما للتوفير أو لطلب تفسير سريع لأفكار طرحت أثناء العلاج.
إلا أن هذا الاستخدام، رغم ما يبدو عليه من فاعلية آنية، لا يعوّض البُعد العلاجي الإنساني الذي تقدمه العلاقة العلاجية الحقيقية.
"تأثير إليزا": التعاطف الزائف
في ستينيات القرن الماضي، طُوّر أول نموذج حواري اسمه "إليزا"، وكان مصممًا لمحاكاة معالج نفسي بأسلوب بسيط. ورغم محدوديته، أظهر المستخدمون ميولًا عاطفية تجاهه، فيما عرف لاحقًا بـ"تأثير إليزا" — وهو إسقاط مشاعر الإنسان على آلة تتحدث كما لو كانت بشرية.
هذا التأثير لا يزال حاضرًا مع ChatGPT، حيث يطوّر بعض المستخدمين علاقة وجدانية مع الأداة، ويتحدثون معها كما لو كانت معالجًا نفسيًا حقيقيًا. في حالة مؤسفة، أشار تقرير إلى انتحار باحث بلجيكي بعد علاقة محادثة مكثفة مع روبوت محادثة شجعه على أفكار سوداوية.
إيجابيات لا يمكن إنكارها
رغم التحديات، لا يمكن التغافل عن بعض الجوانب الإيجابية. فـ ChatGPT يقدم إجابات سريعة، متعاطفة نسبيًا، ويمكنه تذكير المستخدم بتمارين معرفية أو دعم أفكار مكتسبة من العلاج السلوكي المعرفي. كما يستخدمه البعض كوسيلة تنظيمية تساعد في التعبير عن الذات أو تهدئة القلق مؤقتًا.
وقد أظهرت دراسة من جامعة تورونتو أن ردود الذكاء الاصطناعي كانت، في بعض الحالات، أكثر تعاطفًا وتنظيمًا من ردود أطباء بشريين على منتديات الدعم النفسي.
تحذيرات المختصين
مع كل هذه الفوائد، يؤكد الأخصائيون النفسيون أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه استبدال المعالج البشري. فهو يفتقر إلى القدرة على تفسير لغة الجسد، النبرة، التاريخ الشخصي، والسياق الاجتماعي. كما أن هذه النماذج لا يمكنها التعامل مع الأزمات النفسية الخطيرة أو حالات الانتحار بطريقة آمنة.
بل إن بعض المختصين يحذرون من الاعتماد العاطفي على الشات بوتات، إذ قد يؤدي ذلك إلى مزيد من العزلة، أو خلق علاقة وهمية تزيد من الشعور بالوحدة.
ما بين الأداة والمُعالِج: التوازن مطلوب
الذكاء الاصطناعي ليس طبيبًا ولا معالجًا نفسيًا، لكنه قد يكون أداة داعمة ضمن منظومة شاملة من الرعاية النفسية. قد يساعد في أوقات الانتظار، أو لتطبيق استراتيجيات تعلمها المستخدم مسبقًا من معالج بشري. لكنه لا يغني عن الحوار العميق، ولا عن التقييم السريري، ولا عن الدعم الإنساني الذي يُعد حجر الزاوية في العلاج النفسي.
في نهاية المطاف، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الإنسان في المجال النفسي، لكنه قد يكون رفيقًا رقميًا مؤقتًا إذا استُخدم بوعي، وتحت إشراف أو توجيه من متخصصين.
تعليقات: (0) إضافة تعليق