أثار موضوع تقييد المحتوى الفلسطيني على منصات شركة ميتا (فيسبوك، إنستغرام، واتساب) جدلاً واسعًا، مع اتهامات موجهة للشركة بفرض رقابة غير مبررة على الأصوات الفلسطينية والمحتوى الداعم للقضية الفلسطينية. هذه الاتهامات تتعلق بسياسات إدارة المحتوى، الخوارزميات الآلية، والتأثيرات الخارجية التي تؤثر على حرية التعبير.
الاتهامات الرئيسية بتقييد المحتوى الفلسطيني:
* إزالة المنشورات وحظر الحسابات:
وثقت تقارير متعددة إزالة منشورات توثق انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، مثل صور الإصابات أو مقاطع فيديو لأحداث في غزة، بدعوى انتهاك "معايير المجتمع" (مثل "المحتوى العنيف" أو "التحريض").
حسابات بارزة مثل "عين على فلسطين" (6 ملايين متابع) واجهت حظرًا مؤقتًا أو دائمًا، مع شكاوى من صحفيين وناشطين فلسطينيين بتقييد قصصهم ومنشوراتهم.
مثال: الناشط محمد الأطرش ذكر أن حسابه على إنستغرام تعرض لتقييد الوصول وتهديدات بالحذف بشكل متكرر بسبب توثيقه للأحداث في غزة.
* سياسات إدارة المحتوى:
- سياسة "المنظمات والأفراد الخطرين": تعتمد ميتا على قوائم الإرهاب الأمريكية، مما يؤدي إلى حظر محتوى يتعلق بفصائل فلسطينية مثل حركة حماس، حتى لو كان تعبيرًا مشروعًا عن الأحداث. هذا يحد من النقاش حول القضية الفلسطينية.
- المحتوى ذو القيمة الإخبارية: تطبيق هذه السياسة غير متسق، حيث تُزال منشورات توثق أحداثًا مهمة بدعوى "العنف"، بينما يُسمح بمحتوى آخر مشابه.
- أخطاء الترجمة الآلية: في 2023، اعتذرت ميتا عن خطأ ترجمة أضاف كلمة "إرهابي" إلى سير ذاتية لمستخدمين فلسطينيين، مما أثار انتقادات حول تحيز الخوارزميات.
- الاعتماد المفرط على الخوارزميات:
تعتمد ميتا على أدوات آلية لتصنيف المحتوى، مما يؤدي إلى أخطاء مثل إزالة منشورات لمجرد احتوائها على كلمات مثل "شهيد" أو "مقاومة".
هذه الخوارزميات تفتقر إلى فهم السياق الثقافي واللغوي العربي، مما يؤثر بشكل غير متناسب على المحتوى الفلسطيني مقارنة بالمحتوى العبري.
- التأثير الحكومي:
تقارير تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تُقدم آلاف الطلبات سنويًا لميتا لإزالة محتوى، وتستجيب الشركة لنحو 90% منها، مما يثير تساؤلات حول الشفافية والتحيز.
وثائق كشفت عن دور موظفين سابقين في الحكومة الإسرائيلية داخل ميتا، مثل مسؤولة رقابة المحتوى التي ضغطت لحظر منشورات داعمة لفلسطين.
هذا أدى إلى اتهامات بأن ميتا تُستخدم كأداة دعاية لحجب الرواية الفلسطينية.
- التمييز بين المحتوى الفلسطيني والإسرائيلي:
بينما يواجه المحتوى الفلسطيني قيودًا صارمة، يُسمح غالبًا بخطاب الكراهية العبري ضد الفلسطينيين دون تدخل مماثل، مما يعزز اتهامات الازدواجية.
تقرير مركز حملة وثّق زيادة بنسبة 16% في الخطاب العنيف ضد الفلسطينيين باللغة العبرية بين 2019-2020، دون قيود مماثلة.
ردود ميتا على الاتهامات:
- نفي التحيز: ميتا تنفي قمع الأصوات الفلسطينية عمدًا، مؤكدة أن سياساتها تهدف إلى حماية المستخدمين بغض النظر عن معتقداتهم.
- الأخطاء التقنية: تُرجع بعض حالات الحظر إلى أخطاء فنية، مثل مشكلة الترجمة الآلية أو تصنيف غير صحيح للمحتوى.
- الإصلاحات الموعودة: بعد تقرير BSR (2021) الذي وثّق تأثيرًا سلبيًا على حقوق الفلسطينيين، وعدت ميتا بمراجعة سياساتها، لكن منظمات مثل هيومن رايتس ووتش أشارت إلى عدم تنفيذ هذه الالتزامات بشكل كامل حتى 2023.
تأثير التقييد على الفلسطينيين:
- قمع حرية التعبير: يحد التقييد من قدرة الفلسطينيين على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ومشاركة روايتهم، مما يعزز شعورهم بالتهميش.
- تراجع الثقة: الناشطون والصحفيون يفقدون الثقة في ميتا، مما يدفعهم للانتقال إلى منصات مثل X أو تليغرام.
- تأثير نفسي: ثلثا الشباب الفلسطيني يخشون مشاركة آرائهم السياسية عبر الإنترنت بسبب الرقابة.
- الخسائر الإعلامية: صفحات إخبارية كبرى مثل شبكة قدس (10 ملايين متابع) واجهت حظرًا، مما يضعف الرواية الفلسطينية.
ردود الفعل والمقاومة:
- حملات المقاطعة: دعوات عربية لمقاطعة منصات ميتا (مثل حملة 24 ساعة في 2023) احتجاجًا على التقييد.
- التحايل على الخوارزميات: المستخدمون يستخدمون كلمات بديلة (مثل تقطيع كلمة "شهيد" إلى ش-ه-ي-د) أو رموزًا لتجنب الحظر.
الضغط القانوني والحقوقي:
- منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومركز حملة طالبت بشفافية أكبر في سياسات ميتا وتقليل الاعتماد على الخوارزميات.
- ماليزيا هددت باتخاذ إجراءات قانونية ضد ميتا وتيك توك بسبب تقييد المحتوى الفلسطيني.
- منصات بديلة: الصحفيون والناشطون يتجهون إلى X وتليغرام لتجنب الرقابة، كما فعلت قناة الجزيرة بعد ضغوط على صفحتها.
توصيات لمعالجة المشكلة:
- الشفافية: نشر تفاصيل طلبات الحكومات لإزالة المحتوى، خاصة من إسرائيل، مع معايير واضحة للقرارات.
- تحسين الخوارزميات: تقليل الاعتماد على الأدوات الآلية وزيادة الرقابة البشرية لفهم السياق العربي.
- حماية حرية التعبير: إنشاء استثناءات للصحافة وتوثيق حقوق الإنسان لتجنب حظر المحتوى ذي القيمة الإخبارية.
- مراجعة مستقلة: تنفيذ توصيات تقرير BSR والسماح بتدقيق خارجي لسياسات إدارة المحتوى.
تشفير البيانات للهروب من الرقابة
يمكن للتشفير أن يلعب دورًا في حماية المحتوى الفلسطيني من الرقابة:
- التواصل المشفر: تطبيقات مثل واتساب (تابعة لميتا) تستخدم التشفير من طرف إلى طرف، مما يسمح للناشطين بمشاركة المعلومات بأمان دون مراقبة مباشرة.
- تخزين البيانات: تشفير الملفات الحساسة (مثل مقاطع فيديو توثق الأحداث) باستخدام أدوات مثل VeraCrypt قبل رفعها يحميها من الوصول غير المصرح به.
- الشبكات الافتراضية (VPN): استخدام VPN مشفر يساعد الناشطين على تجاوز القيود الجغرافية أو الحظر على منصات ميتا.
ومع ذلك، التشفير لا يحمي من حظر المنشورات بعد نشرها، حيث تعتمد ميتا على تحليل المحتوى المرئي والنصي بعد فك التشفير.
خلاصة:
تقييد المحتوى الفلسطيني على منصات ميتا ينبع من مزيج من السياسات المبهمة، الخوارزميات المعيبة، والضغوط الخارجية، مما يحد من قدرة الفلسطينيين على التعبير عن روايتهم. رغم وعود ميتا بالإصلاح، فإن التقدم محدود، مما دفع الناشطين للبحث عن بدائل. التشفير يمكن أن يساعد في حماية التواصل الخاص، لكنه لا يعالج مشكلة الرقابة على المحتوى العام.
تعليقات: (0) إضافة تعليق